غزلان وذئاب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
غزلان وذئاب

منتدى عام للحوار والصداقات


    جسر الحياة

    احلى غزاله
    احلى غزاله


    المساهمات : 9
    تاريخ التسجيل : 04/07/2010

    جسر الحياة Empty جسر الحياة

    مُساهمة  احلى غزاله الأحد يوليو 04, 2010 1:31 am

    وقفتُ طويلاً على طول ذاك الجسر الذي امتد ببصري إلى ما لا نهاية، كانت الشمسُ تُشرِفُ على الغروب حينذاك.. أخذَت تتسلل برفقٍ تختفي فوق صفحاتِ مياه البحر الذي بدأ يتغير لونه شيئًا فشيئًا.. فتحول الأزرق اللامعُ لأحمرٍ تشوبُه لطخاتٌ من دموع الشمس الحزينة، تلكَ التي أضحت على مشارف توديع النهار.. كما كنتُ دومًا أنا، أحسبُ الأيام التي تمضي سريعًا، تجعلني أغطسُ في حضن الليالي أودِّعُ النهاراتِ دون لُقياك..




    كانت السَّماء تُشبه وجهك.. أحسستُ وأنا أُرقبُها أنني سأراك قريبًا، وتسرعتُ بمعانقة لحظة اللقاء..




    أخذتني نسائم الهواء بعيدًا، وحمَلَتْ من خيالي حفنةً صغيرة سكبَتْها فوق سماء روحي، فجعلت مني قِـبلةً للأمنيات، وملجئًا للأحلام، ورُحت أرسمُك بالألوان، أهدهدُك في نومك.. أغني لك في صحوكَ.. أتوسدكَ وأفترشكَ كل ليلة.. حتى لم يعد لي بعدكَ غطاءٌ ولا دثار..




    كم كان الجو باردًا وأنا أقف طويلاً لوحدي فوق ذاك الجسر الذي أصبح مني، وأصبحتُ جزءً منه.. أًفضي إليه بتفاصيل جنوني، ويُنصتُ إليّ بهدوء.. يهتزُّ على وقع خطاي، يُنشِد لي ويُسمِعُني أنشوداتِ الأمل.. تتبعُه أصوات النوارس وهي تحط فوق الصخور المترامية على ساحل البحر القرمزي.. المحمر تارةً.. الأبيض الشفاف.. تارةً أخرى..




    وراحت النوارسُ تأخذ من تفاصيل جنوني وغبار المُحيّى الذي تشكل من تعلقي المجنون بتفاصيلك الكبيرة والصغيرة.. فحملتْ مني الكثير ونثرَتْها فوق تلك السماء التي تشبه شساعتك العظيمة.. وعظمتك الشاسعة




    طال انتظاري، وما ملّت نبضات قلبي من الخفقان الشديد.. طال سهادي، وما نقص أملي المخلوق من روعتك.. طالت لحظة الغروب.. اشتدّ البرد.. غلّفني القـرّ.. اقشعرّ بدني.. تعبت رجلاي من حملي.. ودمعت عينايَ من برودة الجوّ التي تحوّلت لمياهٍ جامدةٍ غلّفت حدقة عيوني التي لم تملّ من ترقُّبِ المالانهاية..




    تجمّدت يداي، أحسستُ كفي الذي كان يشدُّ على ذاكرتي بقوة، يتهاون اللحظةَ في حَملِها.. بدأت أصابعي ترتجف مع كل لحظةِ ظلمةٍ تنتشرُ في المكان.. لم تعُد تقوَ يداي على أن تشدها أكثر.. لتسقط ذاكرتي ساجدةً للأرض تُعانقُ ما وقعتْ عليه بالصدفة! هكذا هي ذاكرتي الحزينة، تتعلقُ بمن يلتقطُها، وتظل تحمل له الجميل مدى الحياة..



    يدي اليسرى هي الأخرى اثاقلتْ وهي تشدُّ على أحلامي وأمنياتي المطوقةُ إياها.. خرّت ساجدةً هي الأخرى، تمتص من كل ما يمتّ للوجود بصِلة.. تبحثُ عن ملامح الحياة..



    رجلايَ ما عادتا تحملاني.. وقعتُ أنا الأخرى على ركبتايَ.. أمسكتُ بلينٍ عمود الجسر الذي كثيرًا ما شهِد معي ربيع العمر، وخريفهُ، وراح بصري يختفي مع قُرص الشمس الحزين.. ودّعتُه.. وما أحببتُ توديع مجيئِك، فقد كان وجهُك السماء! لم تكن تبارحُني ما دامت السماء تحرسني فوق.. كُنتُ أستبشرُ بزُرقتها وحتى حلاكتها وكذا شساعتِها التي تُذكرني دومًا بشساعة روحك.. وكثيرًا ما نسيتُ نفسي وأنا أراقبُ السماء.. كنتُ دومًا أعشقُ الشساعة والوضوح والمالانهاية.




    غطسَت شمسِيَ الحزينة.. غاب نهاري.. بقى الجسر.. بقت النوارس تهمس في صمت.. وبقى قلبي وعيوني وكفيَ البارد.



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 12:03 pm