غزلان وذئاب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
غزلان وذئاب

منتدى عام للحوار والصداقات


    ويبقى الحب

    احلى غزاله
    احلى غزاله


    المساهمات : 9
    تاريخ التسجيل : 04/07/2010

    ويبقى الحب Empty ويبقى الحب

    مُساهمة  احلى غزاله الأحد يوليو 04, 2010 1:27 am

    يبقى الحب



    ولد في ليلة الصخب الكبرى ، الموسيقى في جميع الأنحاء ، رصاصٌ ينطلق من هناك و صراخٌ في كل مكان ، ترتدي الشوارع الزينة الملونة ،

    و تضع المطاعم شعار الحرية و تخلع المدينة رداء الصمت و المعاناة ، إنه يوم الحرية ، إنه عيد الإستقلال.

    كانت أمه تداعبه في تلك اللحظة ، تضع يدها على بطنها ، و تلعب بأناملها و كأنها تلامسه و تقول :" يا طفلي العزيز ، اليوم هو ذكرى لقائي بوالدك ، كان لقاؤنا في ساحة الأحتفال ،

    عندما كادت أن تدهسني سيارة منعطفة بسرعة فجائية ، لولا أنه أمسك بيدي و أبعدني. إلتففت حول نفسي و لم أجد رأسي إلا في صدره. شعرتُ بالخجل ، لكنه أفلتني بسرعة ،

    سألني إن كنت بخيراً أم لا ، أجبته و ركضت مبتعدة على الفور، لن أنسى ذلك اليوم ما حييت".

    لم تكن تعلم بأنها لن تنسى ذلك التاريخ أيضاً ، لأنه سيصبح الآن يوم ولادة فلذة كبدها.

    شعرت ببعض الألم و الوخز في بطنها ، إعتقدت بأنه كان يردُ على كلامها ، لكنها كانت لحظة الحقيقة.

    ----------------------

    نصمت كثيراً ليمسعنا الآخرون ، عندما تصمت الزهرة الحمراء ، تُخرِج دموعها المتساقطة بذلك البطء المستتر ، و البياض اللامع، في صباح ٍ للمغريات الصامتة.

    عندما تصمت السماء بزرقتها المائية ، و بياض سحبها الملائكي ، نسمع غزارة تلك القطرات المرتطمة مع أرض ٍ لا يغلبها سوى صمت ٍ من أقدام تمشي عليها بتواطؤ ذاتي.

    لكن معه هو كان للصمت معنى آخر ،ذلك الهدوء المتماوج مع هدير المياه ، أصوات الأقدام ذات المشية المنتظمة ، الطيور الصباحية بتغريدها الموسيقي ،

    تلك القطرات التي تتساقط من صنبور المياه الصدء. كان الجميع يحيا على شمس الصباح ، و ينام على ضياء القمر.

    لكن هو كان يصحو على صوت ذلك المنبه الذي يرن في الصباح الباكر معلناً شروق الشمس ، و ينام على صوت والده عندما يقول :" حان وقت النوم".

    كان حلمه أن يرى صورة والده ، فلم يكن يعلم سوى صوته ، و بعضٌ من تضاريس وجهه التي حفظها من خلال لمسه.

    كان دائماً ما يستمتع بقصص والده عندما يبدأ الحديث عن والدته ، التي لا يعرف شيئاً عنها سوى تلك الأوصاف التي إعتاد سماعها من والده.

    - هل تعلم يا بُني ، أمك كانت جميلة جداً ، لن أنسى ليلة عيد الإستقلال ما حييت يوم رأيتها للمرة الأولى ؛بشعرها الأسود الطويل ، و جسدها الممشوق ، و وجهها الأبيض.

    كانت في غاية الجمال بذلك الفستان الأحمر ، و الحناء على يدها اليسرى بتلك الورود المرتسمة. كنت أتمنى فقط التحدث اليها ، ظللت أتبعها طوال الوقت ،

    و لم يكن في وسعي فعل شيء سوى أن لا أبعد ناظري عنها ، حتى قررت كتابة تلك الورقة ، و ما أن فرغت منها أتجهت أليها مقرراً إعطائها إياها ،

    لكن ظهور تلك السيارة المسرعة كاد أن يفقدني صوابي ، أمسكتها و سحبتها نحوي ، لم اكن أعلم بأنني سحبتها بهذه القوة ، لقد سقطت على صدري تماماً

    ، لن أستطيع أن أصف لك ذلك الشعور الذي اجتاحني.

    - أظنك لم تفلتها .. و أطلق قهقهة ساخرة ، و هو ينظف نظارته السوداء.


    --------------------------------


    السماء صافية و الجو بارد ، إنه فصل الربيع ، الأشجار الخضراء بأيديها الممتدة لتغطي تلك البساتين الوردية بورودٍ ملونة ألوان الطبيعة اليانعة.

    كانت تجلس قبالة تلك النافذة المطلة على الذلك الجمال الإلهي ، ممسكة بتلك الورقة ، تتحسس بطنها من حين ٍ لآخر ، تحرك أناملها ببطء ، تبتسم و تقرأ له أول رسالة حب ٍ في حياتها .


    لن أكتب لك ِ أسمي ، لأني أريدك ِ أن تحفظيه بعد أن أحفظ أسمك ِ.

    ربما لا تعلمين من أنا ، و لا تعلمين سر هذه الرسالة التي في جيبك ِ .

    لكن صدقيني منذ رأيتك ِ ، رأيت فيك كياني ، رأيت فيك أحلامي التي إنتهت بلقياك ِ.

    رأيت فيك جمال الحياة المنسوجة من جمالك ، و شعاع القمر المنبثق من خلال وجهك اللامع.

    رأيت فيك ِ صفاء السماء الزرقاء كزرقة عينيك ِ.

    صدقيني الحياة لوحة ، أريد أن تكون يديك ِ ريشتها ، و رقتك ِ بهاؤها ، و شفتيكِ بلسمها ، و همستك ِ ألوانها ، و عينيك ِ عنوانها.

    ربما ترتسم الآن حولك ِ علامات الدهشة ، و تضعين إستفهامات كثيرة حول كلماتي !

    لكن لو لمست ِ صدري لشعرت ِ بنبضات ذاك القلب الذي لا يصرخ لسواك ِ

    لن أطلب ِ منك أن تلتقيني ، لكن سأطلب منك ِ رسالة فقط ، أجد فيها إجابة شافية لقلبي.

    ملحوظة : أتمنى أن أجد رسالة منك ِ .. ضعيها في خلف ذلك الكشك المنزوي في محطة القطار.

    ثم قالت و الدموع بين عينيها :"أبوك من يومه كان عاشقاً للحرف ، ليته معنا الآن".

    -----------------------------------

    أمسك والده بكوب من الشاي كان قد إعتاد إعداده ظهيرة كل سبت ثم قال:

    - كانت هي في ذلك الوقت مفزوعة خائفة ، وضعت لها المغلف دون أن تشعر في جيبها.

    - ألم تشعر بأصابعك ؟ .. و كيف أتتك الفكرة بهذه السرعة؟.

    - أحياناً تأتينا الفرصة مرة واحدة ، إن لم نستفد منها الفائدة القصوى ، تأكد بأنها ستضيع سدى.

    كان يجب أن لا تضيع رسالتي في مهب الرياح ، كنت أنتظر ردها بلهفة و شوق ليس لهما مثيل ، كانت الساعات بطيئة بالنسبة لي ،

    كنت أمر يومياً على ذلك الكشك الصغير المنزوي في محطة القطار ، و أتظر الى خلفه دون أن يشعر بي أحد ؛ و كلي أملٌ أن أجد شيئاً ، لكن لا شيء سوى بطء الوقت ،

    و سرعة دقات القلب ، كانت صورتها لا تفارقني بشعرها الأسود و ذلك الفستان الأحمر.

    - وهل كتبت أليكَ ردها ؟

    - نعم .. بعد مرور أربعة أيام ٍ من الإنتظار.

    أخرج من جيبه الأيسر محفظته السوداء ثم سحب ورقة مطبقة ، فتحها ببطء كما أبتسامته :


    آسفة على التأخير كان علي التأكد منك أولاً،هل أنت عاشقٌ كما تقول ،أم مجرد بائع ٍ للهوى!

    كما أن جرأتك قد أصابتني بالخوف !

    لم اكن أعلم بوجود رجال ٍ يعترفون بما في القلب بهذه السهولة !

    فالرجال في حياتي هم أولئك الذين يمطرون المرأة قسوة ، و يغرقونها ذلاً

    و يدفنون حقها حية ، و يشيعونها ميتة و بيديهم خاتم إمرأة أخرى !

    أما الذين تخفق قلوبهم حباً ، و تكتب أيديهم شعراً ، و تلتهب صدورهم نيراناً من الشوق !

    فأولئك لم أرهم في حياتي ، يا من بحروفك بعثرت كياني ، و أشعلت فتيل الرغبة بين مساماتي .

    يا من سحبتني بأنفاس كلماتك من ظلمات السواد المسائي ، و أشرقت ببهاء عواطفك شمس صباحي !

    كم أخاف أن أجدك كغيرك من الرجال أولئك الذين يلبسون قناع الرحمة طُعماً !

    ثم يعتقلونها بين جدراناً من الظلم .. أخاف أن اُخدع بكلمات على ورق لأجدك َ

    على الحقيقة مجرد شفق ٍ بعيد ، لا قلباً و لا أحاسيس تنعتق !

    أخاف أن تكون فارساً تمتطي خيال الأفق ، و لا تعلم شيئاً عن واقع أمرأة تحترق !

    أن كنت حقاً مختلف ، سأنتظر ردك .

    هنا في نفس المكان ، و الزمان سأتركه لك .

    و لن أقول أسمي حتى أطمئن من فارس للكلمات أظنه سيمل !

    ملحوظة :

    سأنتظر ردك ، خلف نفس الكشك .

    - والدتك ساحرة ، كم كانت تعجبني بأفكارها و عقليتها الفذة .

    -----------------------------------

    الشوارع مزدحمة ، لا وجود لسيارات الأجرة. تتألم ، تشعر بذلك الإهتزاز، قد حان وقت الولادة ، الإحتفالات هناك و صراخها هنا ، توقفت إحدى سيارات الأجرة ،

    ركبتها بسرعة و لم تنطق إلا بالمستشفى و أنطلق السائق عند سماعه لصرختها الداوية.

    في ذلك الوقت كان زوجها عائداً من مؤتمر أدبي بإحدى المقاطعات البعيدة ، ركب اقرب سيارة أجرة ، كان مسرعاً فهو يعلم أن موعد ولادتها قد أقترب ،

    و كم يتوق لرؤية إبنه و زوجته. قال للسائق :" هيا أسرع " ،

    و ما إن أكمل جملته مع أول إنعطاف على اليمين كان أرتطامه بتلك السيارة المنعطفة بسرعة أيضاً ، لا يوجد مفرٌ سوى الإصطدام ، الحادث كان مروعاً ،

    طارت السيارة في الهواء و أنقلبت مرتين على الجانب الأيسر. خرج راكضاً و عند وصوله الى تلك السيارة المنقلبة سمع بكاء طفل صغير ،

    و عندما نظر عن قرب ، وجد زوجته و الدماء متطايرة في كل مكان.


    - هل تعلم يا بني ، لقد نجوت بأعجوبة من ذلك الحادث ، أمك لم نستطع إسعافها بسرعة ، و فقدت أنت بصرك بسبب إرتطام رأسك بشيء ما ، لكن الحمد لله ، هأنت بجانبي اليوم.

    أغرورقت عيناه بالدموع ، قبّل رأس أبنه و أتجه صوب تلك النافذة المطلة على الطبيعة الباهية ثم قال :"كانت تحب تأمل الطبيعة دوماً ، كانت تجيد عزف الكمان بلمستها السحرية و أناملها الذهبية ، تُخرج أروع الألحان."


    فتح أبنه الحقيبة التي بجانب كرسيه ، و أمسك بتلك الآلة الموسيقية ليعزف مع ذلك الجو الربيعي أعذب الألحان ثم توقف لبرهة و قال :

    - أبي .. كيف كان لقاءكم الأول بعد تلك الرسائل المتبادلة.

    - ( بعد أن أطلق ضحكة خفيفة ) .. ألتقينا في اليوم الذي أنتظرتها طويلاً لترد ، كما كانت هي تحاول إختبار صبري و تنتظر رسالة مني تسأل سبب عدم ظهور أي رد ٍ منها ،

    نظرات عينيها الساحرة كادت أن تخترقني ، لم أصدق حينها أنها أمامي ، طلبت فقط أسمها و عنوانها ، حتى أبرهن لها بأن رسائلي ليست لتقضية الوقت ،

    بل أنني أريدها زوجة تعيش معي بقية عمري. أعطتني رسالة و لم أرها مرة أخرى إلا يوم خطبتها.

    - و ماذا كان في تلك الرسالة؟.

    - كان عنوانها و ملحوظة صغير .. " الآن يمكنني أن أسلمك قلبي و عنواني .. أسمي ‘ليلى’.

    -----------------------------

    تزوجا بعد أن تراسلا قرابة الشهر ، بعد وفاتها ظل ّ وفياً لها ، كتب عنها دواوين و أشعاراً كثيرة لا تحصى و لا تعد. تخّرج أبنه من معهد الموسيقى بدرجة إمتياز.

    و هاهو اليوم على فراش الموت بعد أن أهلكته امراض العمر. قبل وفاته طلب من أبنه أن يدفن بجوار زوجته.

    بعد مرور ثلاثة أشهر هاهو أبنه يطلق معزوفته الأولى و بجانبه تجلس تلك الفتاة بشعرها الأشقر اللامع ، كانت تجلس بجواره ، و تشاركه عزف الكمان ،

    كانت المقطوعة إهداءه الأول لها. و يبقى الحب ، مهما خفتت أضواء شموعه البالية بداخلنا.

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 6:46 am